إن مخالفة الخوارج لمنهج السلف جعلهم يقعون فيما هو أكبر من المعاصي، فهذا الخارجي الذي كان يقول إذا خالف الإنسان في آية أو في حديث يكفر أصبح هو يخالف في أمور كثيرة من ذلك، فقالوا: ليس الرجم في كتاب الله إنما ذكر الله الجلد: ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ))[النور:2] فأين الرجم، وهكذا بدءوا ينكرون السنة، فإن جئت بالحديث عن علي، عن عائشة، عن طلحة، عن الزبير، عن ابن عباس فهؤلاء من الكفار عندهم أو من جنود السلطان وأتباع السلطان إذاً ليس عندهم دليل، وإن كان أصل الخروج التشدد والتنطع في العبادة إلا أنهم خرجوا عن الدين عياذاً بالله، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وقد أدرك مقالتهم قال: [[من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن]]؛ لأن الله تعالى يقول: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ))[الحشر:7]. وقال: ((أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا))[النساء:15] والسبيل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الرجم، وأيضاً إن الرجم كانت له آية تقرأ: {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة}، ثم نسخت تلاولها، وبقي حكمها.
توجيه آخر لكلام ابن عباس يعني قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ))[المائدة:41] إلى أن قال: ((وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ))[المائدة:43] ثم تستمر الآيات إلى أن قال: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ))[المائدة:44] ثم: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))[المائدة:45]، ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))[المائدة:47] في أي شيء هذا؟ وما هو الحكم الذي أراد اليهود أن يحكموا النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟ الجواب: هو حد الزنا، فقالوا: نحكمه فإن حكم بغير الرجم عملنا به، وقلنا: يا رب! هذا رسول أرسلته آمنا بشرعه، يعني إذا أعجبهم الشرع أخذوه وإذا لم يعجبهم تركوه، وهذا حال كثير من الناس إذا توافقت أهواؤهم وشهواتهم مع فتاوى بعض المشايخ قالوا: نحن ما أتينا بشيء من عندنا، هذا في القرآن، وهذا كلام العلماء، والحقيقة أن هذا المنهج هو منهج اليهود وأتباع اليهود وكثير من المنافقين -نعوذ بالله- ولهذا الله تعالى قرنهما أول ما افتتح الآيات: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا))[المائدة:41] أي: المنافقون واليهود يسارعون في الكفر؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله في الرجم.
قالوا: إن لم يحكم لنا بما نريد تركناه، فهم -أصلاً- كافرون بكل ما جاء به، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآيات على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقال: ((وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ))[المائدة:43] قال: ائتوا بالتوراة، فجاءوا بها وقرأ الحبر وعبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه يراه ووضع يده على موضع الآية وقرأ ما قبلها وما بعدها، قال عبد الله: ارفع يدك، فرفعها فإذا آية الرجم تلوح وإذا الرجم في التوراة موجود، وأكده الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات -وهذا ما سنشرحه إن شاء الله في موضوع الحكم بغير ما أنزل الله- إذاً! من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن.
فالمقصود أن بعض الخوارج كفر ببعض الحدود بعد أن كانوا يتشددون ويقولون: من زنى كفر، فكفروا هم بالرجم، وكفروا بالقرآن بعد أن كانوا يرون من خالف آية منه أو حرفاً منه كافراً، وظهرت من فرق الخوارج من تقول: إن سورة يوسف ليست من القرآن؛ قالوا: لأن هذه مجرد قصص وفيها ذكر العشق فليست من القرآن.
والقرآن لا يمكن أن يكون فيه هذا الهوى والعشق، وقالوا: ليست من القرآن فكفروا، وآل بهم الحال بعد التشدد والتنطع والغلو في الدين إلى أن خرجت منهم طوائف عن دين الله.